الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك **
أهلت و خليفة الوقت المعتضد بالله أبو الفتح داو بن المتوكل على الله أبي عبد الله محمد وليس له من الخلافة إلا مجرد الاسم بلا زيادة. وسلطان مصر والشام والحجاز الملك الأشرف برسباي الدقماقي. والأمير الكبير الأتابك قجق. والدوادار الكبير أزبك - وهو اسم - معناه الأمير جانبك فهر صاحب الأمر والنهي في الدوادارية بل في سائر أمور الدولة وأمير سلاح أينال النوروزي. وأمير مجلس أينال الجكمي. وأمير أخور جقمق. ورأس نوبة تغري بردي المحمودي. وحاجب الحجاب جرباش قاشق. وأستادار صلاح الدين محمد بن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله. وناظر الخاص الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله. والوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن الوزير تاج الدين عبد الرزاق ابن كاتب المناخ. وكاتب السر نجم الدين عمر بن حجي الدمشقي. ناظر الجيش زين الدين عبد الباسط بن خليل. وليس لأحد في الدولة تصرف غير والأمير جانبك الدوادار. وقاضي القضاة الشافعي شمس الدين محمد الهروي. وقاضي الحنفي زين الدين عبد الرحمن التفهني. وقاضي القضاة المالكي شمس الدين محمد البساطي وقاضي الحنبلي علاء الدين علي بن مغلي. ونائب الشام سودن من عبد الرحمن. ونائب حلب شار قطلوا. ونائب حماة جلبان أمير أخور. ونائب طرابلس قصروه ونائب صفد مقبل الدوادار. ونائب الإسكندرية أقبغا التمرازي. وبمكة الشريف علي بن عنان والأمير قرقماس. وأسواق القاهرة ومصر ودمشق في كساد. وظلم ولاة الأمر من الكشاف والولاة فاش. ونواب القضاة قد شنعت قالة العامة فيهم من تهافتهم. وأرض مصر أكثرها بغير زراعة لقصور مد النيل في أوانه وقلة العناية يعمل الجسور فإن كشافها إنما دأبهم إذا خرجوا لعملها أن يجمعوا مال النواحي لأنفسهم وأعوانهم. والطرقات. بمصر والشام مخوفة من كثرة عبث العربان والعشير. والناس على اختلاف طبقاتهم قد غلب عليهم الفقر. واستولى عليهم الشح والطمع فلا تكاد تجد إلا شاكياَ مهتماً لدنياه وأصبح الدين غريباً لا ناصر له. وسعر القمح بمائتي درهم الأردب. والشعير بمائة وعشرة. والفول بنحو ذلك. ولحم الضأن السليخ كل رطل بسبعة دراهم ونصف ولحم البقر كل رطل بخمسة دراهم. والفلوس كل رطل بتسعة دراهم وهي النقد الذي ينسب إليه ثمن ما يباع وقيمة ما يعمل. والفضة كل درهم وزنا بعشرين درهماً من الفلوس والذهب الإفرنجي المشخص بمائتي وخمسة وعشرين درهماً. شهر المحرم أوله الخميس: من العراق حاج. وفي رابع عشرينه: قدم الركب الأول. ثم قدم من الغد المحمل ببقية الحاج ومعهم الشريف رميثة بن محمد بن عجلان في الحديد وقد قبض عليه الأمير قرقماس. بمكة. وفي هذه الأيام: رسم بتجهيز عسكر يتوجه إلى مكة ونودي بذلك في القاهرة. وفي تاسع عشرينه: نزل السلطان إلى جامعه وكشف عمائره ودخل الجامع الأزهر لرؤية الصهريج وزار به الشيخ خليفة والشيخ سعيد وهما من المغاربة لهما بالجامع الأزهر عدة سنين وشهرًا بالخير. ثم خرج من الجامع إلى دار رجل يعرف بالشيخ محمد بن سلطان فزاره وعاد إلى القلعة. وفي هذا الشهر: وقع الشروع في عمل مراكب حربية لغزو بلاد الفرنج. وفيه صرف صدر الدين أحمد بن المحجمي عن نظر الجوالي وأضيف نظرها إلى القاضي زين الدين عبد الباسط ناظر الجيوش. وكانت الجوالي قد كثر المرتب عليها للناس من أهل العلم وغيرهم حتى لم تف بمالهم. شهر صفر أوله السبت: في حادي عشرينه: ركب السلطان في طائفة يسيرة بثياب جلوسه كما قد صارت عادته. وكشف الطريدة الحربية التي تعمل بساحل بولاق وسار وقد تلاحق به بعض أهل الدولة حتى مر على جزيرة الفيل إلى التاج. ونزل بالمنظرة التي أنشأها المؤيد شيخ فوق الخمس وجوه. ثم سار في أرض الخندق إلى خليج الزعفران وتوجه إلى القلعة. وفي يوم الاثنين رابع عشرينه: خلع على الشيخ محب الدين أحمد بن الشيخ جلال الدين نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر التستري البغدادي الحنبلي. واستقر قاضي القضاة الحنابلة بعد موت علاء الدين علي بن مغلي. ومحب الدين هذا قدم من بغداد بعد سنة ثمانين وسبعمائة فسمع الحديث وقرأ بنفسه على مشايخ الوقت ولازم الاشتغال حتى برع في الفقه وغيره. وقدم أبوه من بغداد باستدعائه فنزله الظاهر برقوق في تدريس الحنابلة. بمدرسته بين القصرين. ثم نزل ابنه محب الدين هذا يدرس الحديث فيها ثم انتقل إلى تدريس الفقه بعد أبيه وكتب على الفتوى وناب في الحكم عن ابن مغلي. وصار ممن يحضر من الفقهاء مجلس المؤيد في كل أسبوع. وفي ليلة الأربعاء سادس عشرينه: غرقت امرأة لها ولزوجها شهرة لقالة سيئة عنها. وفيه صرف صدر الدين أحمد بن العجمي عن نظرة الكسوة وأضيفت أيضاً إلى القاضي زين الدين عبد الباسط فعنى بها حتى لم ندرك كسوة عملت للكعبة مثلها. شهر ربيع الأول أوله الاثنين: وفي سابعه: سار الأمير أرم بغا - أحد أمراء العشرات - تجريدة إلى مكة ومعه. مائة مملوك وتوجه سعد الدين إبراهيم بن المرة - أحد الكتاب - لأخذ مكوس المراكب الواصلة من الهند إلى جدة. وجرت العادة من القديم أن مراكب تجار الهند ترد إلى عدن ولم يعرف قط أنها تعدت بندر عدن. فلما كان سنة خمس وعشرين خرج من مدينة كاليكوت ناخذاه اسمه إبراهيم. فلما مر على باب المندب جور إلى جدة بطراده حنقًا من صاحب اليمن لسوء معاملته للتجار فاستولى الشريف حسن بن عجلان ما معه من البضائع وطرحها على التجار بمكة. فقدم إبراهيم المذكور في سنة ست وعشرين على المندب ولم يعبر عدن وتعدى جدة وأرسى بمدينة سواكن ثم بجزيرة دهلك فعامله صاحباها أسوأ معاملة. فعاد في سنة سبع وعشرين وجور عن عدن ومر بجدة يريد ينبع. وكان بمكة الأمير قرقمامن فمازال يتلطف لإبراهيم حتى أرسى على جده. بمركبين فجامله أحسن مجاملة حتى قويت رغبته ومضى شاكراً ثانياً. وعاد في سنة ثمان وعشرين ومعه أربعة عشر مركباً موسوقة بضائع. وقد بلغ السلطان خبره فأحب أخذ مكوسها لنفسه وبعث ابن المرة لذلك فصارت جدة من حينئذ بندرًا عظيماً إلى الغاية وبطل بندر عدن إلا قليلا. ولم تكن جدة مرسي إلا من سنة ست وعشرين من الهجرة فإن عثمان رضي الله عنه اعتمر فيها فكلمه مواليه أن يحول الساحل إلى جدة وكان في الشعيبة في الجاهلية فحوله إلى جدة ومن كان وراء قديد يحملون من الجار والأبواء وكان ما يحمل إلى هذه المواضع قوت أهل الحرمين وعيشهم. وفي تاسعه: عدي السلطان النيل في الحراقه ونزل بناحية وسيم وعاد إلى القلعة في سادس عشره. وفي هذا الشهر: كمل الصهريج الذي عمله السلطان بصحن الجامع الأزهر وبنيت بأعلاه مصطبة فوقها قبة برسم تسبيل الماء وغرس بصحن الجامع أربع شجرات نارنج فلم تفلح وهلكت من الذباب. وفيه أيضاً كملت الزيادة التي تولى عمارتها الأمير تاج الدين الشويكي. بميضات الجامع الأزهر فعظم النفع بها. شهر ربيع الآخر أوله الثلاثاء: في سابع عشره: قدم الأمير سودن من عبد الرحمن نائب الشمام فخلع عليه وجاءته تقادم الأمراء وتوجه إلى نيابته في سادس عشرينه. وفي هذا الشهر: الشهر ابتدئ بعمل طريدتين حربيتين لتتمة أربع طرائد وأنشئت بساحل بولاق فيما انحسر ماء النيل عنه تجاه جامع الخطيري وأخذت لها أخشاب كثيرة من قصور سرياقوس وفيه أيضًا كمل بناء الحوانيت والربع فوقها والتربيعة التي زيدت في الوراقين. وفتح لها باب كبير من آخر سوق المهامزيين. وقام بعمارة ذلك الأمير جانبك فجاء من أحسن العمائر. وكمل أيضًا بناء الحوانيت وعلوها تجاه باب المدرسة الصالحية بجوار الصاغة وهي من العمائر السلطانية. وفيه وقع الهدم في قصر الأمير صرغتمش المجاور لبير الوطاويط بالصليبة خارج القاهرة وفيه كملت عمارة برج حربي بالقرب من الطينة على بحر الملح فجاء مربع الشكل مساحة كل ربع منه ثلاثون ذراعًا وشحن بالأسلحة وأقيم فيه خمسة وعشرون مقاتلاً فيهم عشرة فرسان. وأنزل حوله جماعة من عرب الطينة " فانتفع الناس به. وذلك أن الفرنج كانت تقبل في مراكبها إلى بر الطينة وتتخطف الناس من هناك في مرورهم من قطيا إلى جهة العريش. وتولى عمارة هذا البرج الأمير زين الدين عبد القادر ابن الأمير فخر الدين عبد الغنى بن أبي الفرج. وأخذ الآجر الذي بناه به من خراب مدينة الفرما وأحرق حجارة الجير مما أخذه من الفرما فسبحان محيل الأحوال. شهر جمادى الأولى أوله الخميس: في عاشره: خلع على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله واستقر أستاداراً! عوضاً عن ولده الأمير صلاح الدين محمد وخلع في ثاني عشره على كريم الدين عبد الكريم بن سعد الدين بركة المعروف بابن كاتب حكم واستقر في نظر الخاص عوضاً عن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله. وخلع على أمين الدين إبراهيم بن مجد الدين عبد الغني بن الهيصم واستقر في نظر الدولة عوضًا عن ابن كاتب جكم. وفي هذه الأيام: كثرت الإشاعات بحركة الفرنج فخرج عدة من الأمراء والمماليك لحراسة الثغور. وفيه كان بدمياط حريق شنيع ابتدأ يوم الجمعة تاسعه ذهبت فيه بيوت عديدة وهلكت جماعة من الناس. وفيه قدمت طائفة من الفرنج إلى صور من معاملة صفد فحاربهم المسلمون وقتلوا كثيراً منهم واستشهد من المسلمين نحو الخمسين رجلاً. وفي ثالث عشره: خلع على زين الدين عبد القادر بن أبي الفرج واستقر شاد الخاص وأستادار الأمير ناصر الدين محمد ابن السلطان. وفي هذا الشهر: أصيبت عامة فواكه بلاد الشام بأسرها - من دمشق إلى حلب - في ليلة واحدة. من شدة البرد وكانت الشمس حينئذ في برج الحمل فتلفت الأعناب ونحوها. شهر جمادى الآخرة أوله الخميس: في عاشره: قبض على نجم الدين عمر بن حجي كاتب السر وسلم إلى الأمير جانبك الدوادار فسجنه في برج بالقلعة وأحيط بداره وسبب ذلك أنه التزم عن ولايته كتابة السر حتى وليها بعشرة آلاف دينار ثم تسلم ما كان جارياً في إقطاع الدين داود بن الكويز باشر معه نيابة كتابة السر وقام بأمر ديوان الإنشاء لبعد ابن الكويز عن ذلك. فتمشت به الأحوال. ولم يزل قائماً بأمور كنابة السر لعجز من وليها في هذه المدد من الجمال يوسف بن الصفي ومن الهروي وغيره حتى ولي كتابة السر فكان أنسب الموجودين. وفيه خلع على تاج الدين عبد الوهاب المعروف بالخطير واستقر في نظر الاصطبل. وهذا الخطير - من سنين قريبة - أسلم وكان يباشر بديوان السلطان وهو أمير فرقاه في سلطنته إلى هنا. وفيه كتب بالإفراج عن نجم الدين عمر بن حجي وإطلاقه من الحديد وإقامته بدمشق على أن يحمل مبلغاً ذكر له. وفي ثامن عشرينه: قبض على السيد الشريف مقبل أمير ينبع وسجن. وفي هذا الشهر: عرض السلطان المماليك الذين عينهم لغزو الفرنج في البحر. وتقدم إلى كل من الأمراء الألوف بتجهيز عشرة مماليك من مماليكه. وفيه خرج الأمير قرقماس من مكة بمن معه في طلب الشريف حسن بن عجلان حتى بلغ حلي من أطراف اليمن فلم يقابله ابن عجلان مع قوته وكثرة من معه بل تركه وتوجه نحو نجد تنزهاً عن الشر وكراهة الفتنة فعاد قرقماس وقدم مكة في العشرين منه. شهر رجب أوله السبت: في ثالثه: خلع على قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن حجر وأعيد إلى قضاء القضاة عوضاً عن محمد الهروي لسوء سيرته وقبح سريرته وفساد طويته وبعده عن كل خير واشتماله على جملة الشر. وفي رابعه: حمل الشريف مقبل أمير ينبع والشريف رميثة بن محمد بن عجلان في الحديد إلى الإسكندرية وسجنا بها. وفي هذه الأيام: ارتفع سعر الفول من تسعين درهماً الأردب إلى مائة وخمسين. وارتفعت أسعار الغلال بدمشق. وفيها وقع الاجتهاد في عمل الأغربة. ولم تحسن سيرة من ولي عملها فإنه أخذ الأخشاب ظلماً وقطع من أشجار الجميز والحور بغير رضاء أربابها وسخر الناس في عملها فأشبه هذا الغزو من صلى لغير القبلة بغير وضوء عمداً. وفي عاشره: أدير محمل الحاج على العادة وعرضت كسوة الكعبة على السلطان. وقد اجتهد القاضي زين الدين عبد الباسط في تأنقها حتى جاءت في غاية من الحسن بحيث لم يعمل فيما أدركناه مثلها. وفي هذا الشهر: كان قطاف عسل النحل فلم يوجد منه كبير شيء فارتفع سعره بلغ سعر الفول مائتي درهم الأردب. وفيه اعتبر متحصل الديوان المفرد ومصروفه فعجز في كل سنة مائة ألف وعشرين ألف دينار يجبيها أستادار من النواحي بعد ما عليها من المستقر والحادث ويتنوع في مظالم العباد ويبالغ في العسف حتى يسدها. ويأخذ المباشرون وأعوانه نحواً منها. فلذلك خرب إقليم مصر وآلت أحوال الناس إلى التلاشي. وفي ثالث عشره: أنفق في الغزاة وهم ستمائة رجل مبلغ عشرين ديناراً لكل واحد وجهز الأمراء ثلاثمائة رجل. ونودي من أراد الجهاد فليحضر لأخذ النفقة. وفي عشرينه: سارت الخيول في البر إلى طرابلس. وعدتها ثلاثمائة فرس لتحمل الغزاة من طرابلس في البحر. وفي هذا الشهر: خرج مركب من اللاذقية قد شحن بمجاديف حتى يحضرها إلى مصر برسم الأغربة التي أنشئت صحبة الريس فاضل. فلما حاذت جزيرة أرواد خرج طائفة من الفرنج يريدون أخذها فقاتلهم المسلمون حتى قتلوا عن آخرهم وعدتهم خمسون رجلاً. وأفلت منهم رحل واحد. وأخذ الفرنج المجاديف وغيرها وحرقوا المركب. وفاضل هذا من أهل مدينة أياس فقدم إلى السلطان في السنة الخالية وحسن له غزو الفرنج ووعده بغنيمة أموال عظيمة حتى كان من غزوة اللمسون ما كان فأخذ في التعبئة لغزوهم ثانياً أيده الله تعالى بنصره عليهم. وفي شنع الوباء بدمياط وفارسكور وكان ابتداؤه عندهم من جمادى الأولى. وفي حادي عشره: توجه الهروي عائداً إلى القدس على وظيفة التدريس بالصالحية. وفي يوم الجمعة ثاني عشره: ركب السلطان بعد صلاة الجمعة بثياب جلوسه كما هي عادته حتى شاهد الأغربة بساحل بولاق وعاد. وفي ثالث عشرينه: ركب الأمير ناصر الدين محمد ابن السلطان والأمير جانبك حتى شاهد توجه الأغربة. وقد أقام في دار القاضي زين الدين عبد الباسط المطلة على النيل فانحدر في النيل أربعة أغربة بكل غراب أمير ومقدم الجميع الأمير جرباش حاجب الحجاب فكان يوماً مشهوداً حشر فيه الناس من كل جهة لمشاهدة ذلك. ثم انحدر في يوم الاثنين غراب واحد وفي هذا الشهر: قطع السلطان جرايات المباشرين من القمح وهي خمسة آلاف أردب فتوفرت للسلطان. شهر شعبان أوله الاثنين: في ثالثه: أنحدر غراب ثامن. وفيه جاء قاع النيل خمسة أذرع وعشر أصابع ونودي علمه من الغد خمسة أصابع. وهي ابتداء النداء على النيل. وفي يوم السبت سادسه: حدث عند شروق الشمس زلزلة قدر ما يقرأ الإنسان سورة الإخلاص ثم زلزلت ثانياً مثل ذلك ثم زلزلت مرة ثالثة فلو لا أن الله لطف بسكونها لسقطت الدور فإن الأرض مادت وتحركت المباني وغيرها حركة مرعبة بحيث شاهدت حائطا خرج عن مكانه ثم عاد. وأخبرني من لا أتهم أنه كان وقت الزلزلة راكباً فرسه فخرع عن السرج حتى كاد يسقط. وفي غده: نودي - عن أمر السلطان - بصوم الناس ثلاثة أيام من أجل الزلزلة فما أنابوا ولا سعوا. وفي ثامنه: نودي بأن لا يباع السكر إلا للسلطان ولا يشترى إلا منه فعاد الأمر كما كان. وفي ليلة الخميس ثامن عشره: وقع الحريق بثلاثة أماكن فما طفئ إلا بعد جهد. وفي هذا الشهر: بلغ الفول ديناراً لكل أردب بعد ما كان كل ثلاثة أرادب ونصف بدينار. وتجاوز القمح المائتين بعد مائة وخمسين. وقل وجود الغلال وطلبها الناس فشحت أنفس أربابها وخزنتها هذا مع توالي زيادة النيل. وفي هذا الشهر: اتفقت حادثتان غريبتان إحداهما أن رجلاً مر في سفره ببلاد الغربية على أتان له وتحته خرح فيه قماش فخرج عليه بعض قطاع الطريق وألف إلى الأرض ليذبحه فقال له: بالله اسقني شربة ماء قبل أن تذبحني فألقى الله تعالى في قلبه عليه رحمة لما يريده به. وفتح خرج الرجل وتناول منه إناء وعبر في الماء حتى يغترف في الإناء منه فاختطفه تمساح وذهب في الماء فكسره وأكله والرجل يراه وهو مكتوف وأتانه واقف مع فرس قاطع الطريق قائمان قريباً منه. فأقام كذلك حتى مر به أناس عن بعد فصاح بهم إلى أن أتوه فأعلمهم بما جرى له وما كان من هلاك عدوه فحلوا أكتافه وأتوا به وبالفرس والأتان والخرج إلى الوالي فقص عليه قصته فأخذ الفرس وخلاه لسبيله. فمضى بأتانه وخرجه فكان في هذا موعظة لمن اتعظ وكفي بالله نصيراً. والثانية: أن متولي الحرب بتلك النواحي وسط سبعة رجالة من قطاع الطريق وعلقهم على ممر المسافرين كما هي عادتهم في ذلك. وأكد على الخفراء أرباب الدرك في حراستهم طول الليل خوفاً من مجيء أهاليهم وأخذهم إياهم وحلف بأيمانه لئن فقد أحد منهم ليوسطن الجميع فباتوا يحرسونهم حتى كاد الليل يذهب أخذهم النوم ثم أنتبهوا في السحر فإذا بعدة الموسطين قد نقصت واحد. فمن شدة خوفهم أن يطلع النهار ويبلغ الوالي أن الموسطين قد أخذ منهم واحد فيوسطهم بدله مروا في الدرس المسلوك ليأخذوا من انفرد من المسافرين يوسطوه ويعلقوه بدل الذي نقص من العدة فإذا هم برجل على حمار وتحته قفتين فأخذوه ووسطوه وعلقوه مع الموسطين. فلما طلع النهار جاءهم مقدم الوالي لكشف حال الموسطين فإذا عدتهم قد زادت واحداً فأنكر على الخفراء وأحضرهم إلى الوالي وأعلمه الخير فلم يجدوا بداً من الصدق وأخبروه أنهم ناموا آخر الليل وانتبهوا سحراً فرأوا العدة قد نقصوا واحداً فما شكوا في أنه أخذه أهله فأخذوا رجلاً على حمار من المارة ووسطوه وعلقوه مكان الذي نقص. وحلفوا أيماناً عديدة أنهم ما رأوهم إلا ناقصين واحداً. فأمر بفتح القفتين اللتين كانتا على حمار المقتول فإذا في كل قفة نصف امرأة قد نقشت فعلم الوالي ومن حضره أنه كان قد قتل هذه المرأة وسرى بها سحراً حتى يواريها فقتله الله بها. وكان في هذه تذكرة لمن وعي أن الجزاء واقع. وفي آخر هذا الشهر: أفرج عن الأمير طرباي من سجن الإسكندرية ونقل إلى القدس ليقيم به غير مضيق عليه وأنعم عليه بألف دينار. أهل هذا الشهر وقد انحل سعر الغلال وكثرت في العراص والساحل من غير سبب يظهر في ارتفاعها أولا ثم في انحطاطها إن الله على كل شيء قدير وبالناس لرءوف رحيم. وفي يوم الثلاثاء ثامنه: قبض على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله أستادار وعلى ولده الأمير صلاح الدين محمد وعوقا بالقلعة. وفي يوم الخميس عاشره: خلع على الأمير زين الدين عبد القادر ابن الأمير فخر الدين عبد الغني بن أبي الفرج. واستقر أستادارا عوضاً عن الصاحب بدر الدين حسن ابن نصر الله. وفي ثاني عشره: أفرج عن الصاحب بدر الدين ونزل إلى داره وقد ألزم بحمل نفقة الشهر وعليقه وذلك نحو ثلاثين ألف دينار. وترك ابنه الأمير صلاح الدين بالقلعة رهينة على المال فأخذ في بيع أملاكه وخيوله وثيابه وأثاثه. وفي رابع عشره: خلع على جمال الدين يوسف بن الصفي الكركي واستقر في كتابة السر بدمشق عوضاً عن بدر الدين حسن. وفي يوم الثلاثاء ثاني عشرينه - الموافق له رابع عشر مسرى -: أوفي النيل ستة عشر ذراعاً. ونزل الأمير ناصر الدين محمد ابن السلطان ففتح الخليج على العادة بعد تخليق المقياس وركب في خدمته الصالح بن ططر. وفي يوم الأربعاء - صبيحة الوفاء -: نودي على النيل بزيادة عشر أصباع. ونودي في يوم الخميس بزيادة عشر أصابع. وهذا من نوادر زيادات النيل. وفي هدا الشهر: عز وجود اللحم بالأسواق. شهر شوال أوله الأربعاء: في تاسعه: ورد الخبر من طرابلس بنصرة المسلمين على الفرنج فدقت البشائر بالقلعة وجمع القضاة والأعيان بالجامع الأشرفي وقرئ عليهم الكتاب ونودي بزينة القاهرة ومصر فزينتا. ثم قرئ الكتاب من الغد بجامع عمرو بن العاص. وكتبت البشائر إلى الإسكندرية والبحيرة والوجه القبلي. وبينما الناس مستبشرين بنصر الله على أعدائه إذ قدم الخبر في يوم الاثنين ثالث عشره بوصول الغزاة إلى الطينة فكثر القلق. وكان من خيرهم أنهم لما توجهوا من ساحل بولاق مروا على دمياط إلى طرابلس وتوجهوا منها في بضع وأربعين مركباً إلى جزيرة الماغوصة فخيموا في برها الغربي وقد خاف متملكها وبعث بطاعته للسلطان فبلغهم تهيؤ صاحب قبرس للقائهم واستعداداً لمحاربتهم فباتوا بمخيمهم على الماغوصة ليلة الأحد العشرين من شهر رمضان. وشنو من الغد - يوم الأحد - الغارات على ما في غربي قبرس من الضياع وعادوا بغنائم كثيرة بعد ما قتلوا وأسروا وحرقوا. ثم أقلعوا ليلة الأربعاء يريدون الملاحة وتركوا في البر أربعمائة من الرجال يسيرون بحذائهم فقتلوا وأسروا وحرقوا. ثم ركبوا البحر وقد وافاهم صباحا الفرنج في عشرة أغربة وقرقورة فلم يثبتوا وانهزموا من غير حرب. فأرسى المسلمون بساحل الملاحة. وللحال كرت أغربة الفرنج راجعة إليهم فقاتلهم المسلمون قتالاً شديداً وهزموهم. وباءوا ليلة الجمعة خامس عشرينه فأقبل بكرة يوه الجمعة خامس عشرينه عسكر قبرس وعليهم أخو الملك فقاتله نصف العسكر الإسلامي أشد قتال وهزموه بعد ما كادوا أن يؤخذوا وقتلوا من الفرنج مقتلة كبيرة وأخرجوا الخيول من المركب إلى البر في ليلة السبت وساروا بكرة يوم السبت يقتلون ويأسرون ويحرقون القرى حتى ضاقت مراكبهم عن حمل الأسرى وامتلأت أيديها بالغنائم فكتب الأمير جرباش الكريمي - حاجب الحجاب ومقدم العساكر المجاهدة - إلى الأمير قصروه نائب طرابلس بذلك صحبة قاصد بعثة من الغزاة ليأتيه بخبرهم فكتب الأمير قصروه كتاباً إلى السلطان وفي طيه كتاب حرباش إليه فقرئ كما تقدم ذكره. ثم إن العسكر خاف من متملك قبرس فإنه قد جمع واستعد فرأى جرباش أن يعود بهم فسار حتى أرسى على الطينة قريباً من قطيا ومن دمياط. وفي ثالث عشره: أفرج عن الأمير بيبغا المظفري ونقل من سجن الإسكندرية إلى دمياط وجهز إليه فرس ليركبه هناك. وفي يوم الأربعاء خامس عشره: كان نوروز القبط بمصر وماء النيل على ثمانية عشر ذراعاً وثمانية إصبعا. وهذا مما يستعظم قدره في هذا الوقت. وفي خامس عشرينه: قدم الغزاة بألف وستين أسيراً فباتوا بساحل بولاق وصعدوا بكرة يوم الأحد سادس عشرينه إلى القلعة وبين أيديهم الأسرى والغنائم وهب على مائة وسبعين حمالاً وأربعين بغلاً وعشرة جمال ما بين خرج وصناديق وحديد وآلات حربية وأواني فعرض الجميع على السلطان فكان يوماً مشهوداً لم يعهد مثله في الدولة التركية والجركسية فرسم ببيع الأسرى وتقويم الأصناف فابتدئ في البيع من يوم الاثنين سابع عشرينه بحضرة الأمير جقمق العلاي أمير أخور. وتوفي البيع عن السلطان الأمير أينال الششماني فاشتراهم الناس على اختلاف طبقاتهم. ورسم أن لا يفرق بين الأولاد وآبائهم ولا بين قريب وقريبه فكانوا يشترونهم جميعاً. وأنفق السلطان في طائفة من الغزاة ثلاثة دنانير ونصف لكل واحد وفي طائفة سبعة دنانير لكل واحد. وفي هذا الشهر: تعذر وجود اللحم بالأسواق أياماً وإن وجد فإنه قليل جداً وغلت أسعار أكثر الأقوات إلا القمح. وفيه أنشأ زين الدين عبد الباسط بناحية بركة الحاج بستاناً وساقية ماء وعمر فسقية كبيرة شهر ذي القعدة أوله الجمعة: ويوافقه عيد الصليب. كان ماء النيل على عشرين ذراعاً تنقص إصبعاً واحداً وقل ما عهد مثل هذا. وفي يوم الاثنين رابعه: اتفق بالقاهرة حادثة شنعاء لم ندرك مثلها وهي أن رجلاً من العشير بيبروت من سواحل الشام - يقال له شعث بن أبي بكر بن الحمراء - قدم ليسعى في بعض تعلقاته فخرج سحر هذا اليوم من داره على فرسه ومعه غلامه وقد سايره رجل من أهل بلاده وأخذ يحادثه حتى وصلا بين القصرين عند شروق الشمس فأخرج الرجل خنجراً وضرب به ابن الحمراء ضربة وأتبعها بأخرى فسقط عن فرسه. وساق الرجل فرسه فلم يتبعه أحد. وبقي ابن الحمراء طريحاً عدة ساعات ثم دفن. وبلغ الخبر السلطان فطلب القاتل فلم يقدر عليه. وكان سبب هذا أن ابن الحمراء قتل والد هذا الرجل من سنين عديدة وابنه هذا صبي فتحول إلى القاهرة وربي بها وصار من جملة الأجناد بخدمة الأمراء. فلما قدم ابن الحمراء في هذه الأيام القاهرة تردد إليه هذا الرجل من أجل أنه من أهل بلاده فأنس به وغفل عما كان منه إلى أن جاءه الرجل في هذا اليوم على عادته وركب معه فوجد الفرصة قد أمكنته من عدوه ففعل ما فعل وأخذ بثأره. وفيه ارتفع سعر القمح حتى تجاوز الأردب مائتي درهم من الفلوس. وفيه هدم السلطان خرائب الططر بقلعة الجبل وكانت خطاً كبيراً يشتمل عل مساكن عديدة فسوى بها جميعها الأرض. وفي يوم الأربعاء سادس عشرينه: نودي على الفلوس أن يتعامل الناس بها من حساب اثني عشر درهماً الرطل. وكانت قد قلت وعز وجودها لشح الناس بإخراجها فربح من كان عنده منها شيء وخسر من له مطالبات فإنه صار درهمه نصفاً. شهر ذي الحجة أوله السبت. في سابعه: اتفقت حادثة شنعاء وهي أن الخبز قل وجوده في الأسواق فعنده خرج بدر الدين محمود العينتابي - محتسب القاهرة - من داره سائراً إلى القلعة صاحت عليه العامة واستغاثوا بالأمراء وشكوا إليهم المحتسب فعرج عن الشارع وطلع إلى القلعة وهو خائف من رجم العامة له وشكاهم إلى السلطان. وكان يختص به ويقرأ له في الليل تواريخ الملوك ويترجمها له بالتركية. فحنق السلطان وبعث طائفة من الأمراء إلى باب زويلة فأخذوا على المارة أفواه السكك ليقبضوا على الناس. فرجى بعض العبيد أحد الأمراء بحجر أصابه فقبض عليه وضرب. وقبض على جماعة كبيرة من الناس وأحضروا بين يدي السلطان فرسم بتوسيطهم ثم أسلمهم إلى الوالي فضربهم وقطع آنافهم وآذانهم وسجنهم ليلة السبت. ثم عرضوا من الغد على السلطان فأفرج عنهم - وعدتهم اثنان وعشرون رجلاً من المستورين - ما بين شريف وتاجر فتنكرت القلوب من أجل ذلك وانطلقت الألسنة بالدعاء وغيره. وفي هذه الأيام: ارتفع سعر اللحم وعدم أياماً من الأسواق. وارتفع سعر القمح أيضاً وعز وجوده مع كثرته بالشون والمخازن وعلو النيل وثباته. وفي حادي عشرينه: خلع على شهاب الدين أحمد بن صلاح الدين بن محمد المعروف بابن المحمرة واستقر في مشيخة الخانكاة الصلاحية سعيد السعداء بعد وفاة شمس الدين محمد بن أحمد البيري المعروف بأخي جمال الدين الأستادار. وابن المحي هذا كان أبوه سمساراً في الغلال بساحل بولاق وعمه طحاناً وولد هو بظاهر القاهرة وقرأ القرآن وقرأ عدة كتب ما بين فقه ونحو وغيره واشتغل على شيوخ العصر حتى برع في الفقه على مذهب الشافعي. وشارك في فنون وجلس في حوانيت الشهود زماناً واستنابه في الحسبة بالقاهرة بوساطة الأمير يلبغا السالمي وكان من أصحابه. ثم ناب في الحكم بالقاهرة عن قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن البلقيني مدة سنين. وأثرى في قضائه وكثر ماله. ثم صرف عن الحكم ودرس الفقه بخانكاة شيخو بمال وزنه في التدريس ثم ولي الخانكاة. وفيه قدم كتاب الأمير تغري بردي المحمودي من مكة وقد توجه حاجباً يتضمن أنه بعث لما نزل من عقبة أيلة قاصداً إلى الشريف حسن بن عجلان يرغبه في الطاعة ويحذره عاقبة المخالفة فقدم ابنه الشريف بركات بن حسن وقد نزل بطن مر في ثامن عشرين ذي القعدة فسر بقدومه ودخل به معه مكة أول ذي الحجة وحلف له بين الحجر الأسود والملتزم أن أباه لا يناله مكروه من قبله ولا من قبل السلطان فعاد إلى أبيه وقدم به مكة يوم الاثنين ثالث ذي الحجة وأنه حلف له ثانياً وألبسه التشريف السلطاني وقرره في إمارة مكة على عادته وأنه عزم على حضوره إلى السلطان صحبة الركب واستخلاف ولده بركات على مكة. وفي خامس عشرينه: ورد إلى ساحل بولاق اثنا عشر غراب من أغربة الغزاة. وفي ثامن عشرينه: قدم مبشرو الحاج وأخبروا بسلامة الحجاج وأن الوقفة بعرفة كانت يوم الاثنين وكانت بالقاهرة يوم الأحد. ومات في هذه السنة ممن له ذكر قاضي القضاة علاء الدين أبو الحسن علي بن بدر الدين أبو الثناء محمود بن أبي الجود أبي بكر بن مغلي الحموي الحنبلي في يوم الخميس العشرين منالمحرم وقد قارب السبعين سنة وكانت آباؤه من سلمية يعانون التجارة وولد هو بحماة ونشأ بها وعانى طلب العلم وقدم القاهرة شاباً سنة إحدى وتسعين في زي التجار واشتهر بكثرة الحفظ لجودة حافظته وما زال يدأب حتى صار من أئمة الفقه والحديث والنحو ويشارك في فنون كثيرة وكان يحفظ في كل مذهب من المذاهب الثلاثة كتاباً ويحفظ من مذهبه كثيراً إلى الغاية وولي قضاء الحنابلة بحماة بعد سنة ثمانمائة ثم ولاه المؤيد. شيخ قضاء القضاة الحنابلة بالديار المصرية فباشره حتى مات. وكان له ثراء وسعة ولم يخلف بعده مثله. وقتل الأمير تغري بردي خنقاً بقلعة حلب في ربيع الأول فمستراح منه لا دين ولا عقل ولا مروءة ما هو إلا الظلم والفسق. ومات زين الدين شعبان بن محمد بن داود الآثاري في سابع عشر جمادى الآخرة وقد ولي حسبة مصر في أيام الظاهر برقوق بمال عجز عنه ففر إلى اليمن بعد عزله وصار له بها حظ لأنه كان يكتب خطاً جيداً وينظم الشعر ثم قدم مكة بعد سنين وقدم القاهرة وتوجه إلى الشام ثم عاد وهو مريض فمات يوم قدومه وورثه أخوه. وتوفي بدر الدين محمد بن عمر بن أبي بكر الدماميني المالكي الأديب الشاعر بمدينة كربركا من بلاد الهند في شعبان عن نحو سبعين سنة وكان قد نشأ بالإسكندرية وفاق في الأدب وقال الشعر الجيد وبرع في العربية وعانى دولبة عمل الثياب الحرير فاحتج وألجأته الضرورة إلى فراره من أرض مصر فصار له في بلاد الهند ثراء فلم يتهن به ومات. وتوفي الأمير ناصر الدين محمد بن أحمد بن عمر بن يوسف بن عبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر التنوخي الشهير بابن العطار الحموي ناظر القدس في ثالث عشر شوال ببلد الخليل عليه السلام ومولده في سنة أربع وسبعين وسبعمائة. وكان أبوه من أعيان أهل حماة يباشر أستادار الأمراء واختص بالظاهر برقوق أيام سجنه بالكرك وقد كان بها وخرج معه منها فمات قبل عود الملك إليه فاستدنى الظاهر برقوق ابنه ناصر الدين هذا وأنعم عليه بإمرة في حماة ثم ولي حجوبية حماة. ونوه به ناصر الدين محمد بن البارزي لما ولي كتابة السر لقرابته به وولاه نيابة الإسكندرية فلما مات - وهو المؤيد - صرف عنها ثم ولاه السلطان نظر القدس والخليل وكان من خير من صحبت ديانة وملازمة لتلاوة القرآن ومعرفة وخبرة ومشاركة في فنون من العلم. ومات الفقيه نور الدين علي بن أحمد بن سلامة السليمي المكي بها في أخريات شوال وقد أناف على الثمانين وكان فقيهاً شافعياً فاضلاً في فنون قدم القاهرة وسمع معنا الحديث وتردد إلى سنن بالقاهرة ومكة. وتوفي شمس الدين محمد بن أحمد بن أحمد بن جعفر بن قاسم البيري الحلبي أخو الأمير جمال الدين يوسف الأستادار في يوم الجمعة المبارك رابع عشر ذي الحجة عن نحو الثمانين سنة وكان يلي قضاء البيرة ثم قدم القاهرة وولي قضاء القضاة بحلب مدة ثم عزل وعاد إلى القاهرة ودرس بالمدرسة الناصرية المجاورة لقبة الإمام الشافعي بعد الجلال محمد أبي البقاء ووفي مشيخة الخانكاه الركنية بيبرس بعد الشريف بدر الدين حسن النسابة كل ذلك بجاه أخيه. فلما قتل أخوه نكب وصرف ثم أفرج عنه وولي في أيام المؤيد شيخ الخانكاه الصلاحية سعيد السعداء حتى مات وكان فيه سكون ويذكر عنه تدين. وقتل الأمير طوغان - أمير أخور في أيام المؤيد شيخ - ذبحا بقلعة المرقب في ذي الحجة وكان من جملة التراكمين يخدم سايس خيل بعض أجنادها فترقى حتى صار أمير أخور كبير للملك المؤيد وله به اختصاص ثم نكب بعده حتى قتل وهو كما قيل: لم أبك منه على دنيا ولا في دين. ومات الأمير سيف الدين أبو بكر حاجب طرابلس بها وقد تكرر ذكره في أيام الأمير جكم وكان مشكوراً.
|